التنمر يغزو الوسط المدرسي
السّخرية والاستهزاء والتحرشات، نشر الإشاعات الكاذبة والضرب.. جميعها سلوكيات سلبية تصب في نطاق “التنمر”، ويزيد أمرها سوءا، في حال كان ضحيتها أطفال. وقد أخذت الظاهرة منعرجا خطيرا في الوسط المدرسي، قادت أطفالا إلى تعاطي المخدّرات والانتحار، هربا من “التنمر”، فكيف تواجه الأسرة والمدرسة هذه الظاهرة الزاحفة على مجتمعنا؟
أفرز التطور الذي يعرفه مجتمعنا، سلوكات انعكست سلبا على المحيط المدرسي، ولعلّ أبرزها ظاهرة التنمر، التي تُعرّف على أنّها السّخرية من شخص بسبب شكله أو لونه أو لهجته أو شخصيته، إذ يواجه الضّحية استهزاء كبيرا من فرد من أطفال في سنّه، يدخله في دوامة الاكتئاب والانعزال عن المجتمع، وانتهاء بالانتحار أو ارتكاب جرائم خطيرة، تصل حدّ القتل.
ولأن الأمراض النفسية، ليس لديها أعراض جسدية محددة، فلابد للعاملين بالوسط التربوي خصوصا، الانتباه لهذه الحالات التي يتعرض لها المتمدرسون.
وفي هذا السياق، نظمت المؤسسة العمومية للصحة الجوارية، بوزريعة، يوما تحسيسيا حول الصحة العقلية، تحت عنوان “التنمر”، وكانت مداخلات المختصين جد مهمة. وبحسبهم، يجهل كثير من الأولياء تعرض أبنائهم المتمدرسين إلى التنمر، فيتركونهم عرضة لهذه الآفة. ولذلك، تنصح المختصة في علم النفس، سعيدي زهرة، بمراقبة أعراض معينة تظهر على الطفل، تدل على أنه ضحية تنمر.. ومنها تغيرات تظهر في شخصيته، إقدام الطفل على جرح جسده في أماكن مخفية لا يلحظها الوالدان، فعندما يرى سيلان الدم يشعر بالارتياح. ولذلك على الأم مراقبة جسد طفلها بشكل شبه يومي.
ويلجأ الطفل كذلك إلى الانعزال عن أسرته، مع تفكيره في أمور غير عادية، بحيث يُردد مرعوبا: “راهم حابّين يقتلوني، ويكرهوني..”، وغيرها من عبارات تدلّ على خوفه الشديد” ويُصاب بقلق مُفرط، يجعله عدوانيا، فيقدّم مثلا على تكسير الأواني أو التلفزيون أو ضرب غيره، مع حديثه عن الانتحار. وفي هذا الصّدد، روت المختصة قصة فتاة توفيت بعد تناولها كمية كبيرة من الأدوية بسبب تعرضها للتنمّر من أصدقائها.
ويعتبر استهلاك المواد المخدرة، وخاصة في مراحيض المتوسطات، بحسب المختصة وجها آخر من أوجه التنمر، حيث قالت “تلاميذ في 15 سنة يلجؤون إلى شمّ مواد يصنعونها يدويّا، لغلاء المخدرات.. وكثيرا منهم يحضرونهم إلينا وهم في حالة صعبة” على حد قولها.
ونصحت المختصة بالتوجه نحو العلاج النفسي بمختلف أشكاله، مثل التحليل ومقابلات الدعم النفسي، العلاج السلوكي والمعرفي الذي يعطي نتائج مبهرة، إضافة إلى العلاج بالأدوية، خاصة في حالات الاكتئاب الشديد، القلق والرّهاب الاجتماعي والوسواس القهري.
وبدورها، اعتبرت المختصة النفسانية بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بوزريعة، اينال سعاد، أن أسوأ ما يتعرض له الطفل في المدرسة، هو التنمر، سواء على ملابسه أم لهجته أم شكله، وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لأن التنمر يأخذ أشكال مختلفة، من ترهيب واستقواء على الغير.