فجّر اعتراف الوزير الأول الأسبق، أحمد أويحيى، بتلقي هدايا من الذهب من أمراء خليجيين، موجة من الاستنكار والسخط بين الجزائريين، إلى جانب أنه يسلط الضوء على إحدى الممارسات المنتشرة في مستويات عدة في المجتمع الجزائري. وتبقى تساؤلات كبيرة مطروحة حول المسؤولين الذين انتفعوا من هدايا ثمينة، من هم وما هو عددهم وما مصير هذه الهدايا وعائداتها؟
والذين يعرفون كيف يشتغل عقل أويحيى على يقين أن الرجل احتمى بشكل جيد قبل رمي قنبلته في الساحة، وأن نيته الحقيقية ليست إظهار الحقيقة أو تعبيرا عن توبة وندم، بل لإغراق أمثاله من المسؤولين الذين استفادوا من هدايا مماثلة، بشكل يدعو لفتح تحقيق في هذه الاعترافات لمزيد من الإحاطة وتسليط الضوء على الظاهرة التي تطرح مشكلة ثقافية مترسخة في المجتمع وتكرست في عهد الرئيس السابق.
وبدا من اعترافات أويحيى أن ما حصل عليه لا يعدو أن يكون هدايا، وليس ثمرة رشاوى أو مزية غير قانونية، وهي خطته للإفلات من العقاب أو الحصول على عقوبة صغيرة، نص عليها قانون مكافحة الفساد الذي وضع في 2006 وكان لحظتها وزيرا أول، مكرسا بالمقابل الصورة النمطية عن هذا الشخص وقطاع من المسؤولين الجزائريين.
وحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، جيلالي حجاج، فإن الـ60 سبيكة ذهب التي حصل عليها أويحيى، تضعه تحت طائلة أحكام المادة 38 من قانون مكافحة الفساد والتي تنص على “يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 50 ألف دينار إلى 20 ألف دينار، كل موظف عـمومي يـقبل من شـخص هديـة أو أية مـزية غير مستحقة مـن شأنها أن تؤثر فـي سـير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه”.
ويمكن لأويحيى، الذي قضى عام ونصف في الحبس الاحتياطي، الخروج من السجن بعد ستة أشهر، إذا لوحق على أساس هذا القانون وفرضت عليه أقصى عقوبة منصوص عليها إلى عامين .
وتفتقد الجزائر لآلية صريحة تكرّس نزاهة الحياة العامة والتصريح بالهدايا التي يحصل عليها المسؤولون، أيا كان شكلها، سبائك ذهب، رحلات ومناصب فيما يعود النظام الأمريكي حول الهدايا إلى 1840.
ويبقى التشريع الذي وضع في مارس 2020 بخصوص الهدايا محدود جدا في الاستجابة للتحديات، زيادة أنه لا يطبّق التشريع بأثر رجعي. ويمنع هذا التشريع تبادل الهدايا بين المسؤولين الجزائريين من جهة، كما يشترط من جهة أخرى على أعضاء الوفود في مهمة في الخارج التصريح لدى المديرية العامة للجمارك بالهدايا المقدمة لهم مباشرة أو عن طريق شخص وسيط مهما كانت قيمتها. بموجب المرسوم الرئاسي تودع كل هدية تفوق قيمتها 50 ألف دج لدى الجمارك لفائدة الاحتياط القانوني للتضامن المؤسس بموجب المادة 162 من قانون المالية لسنة 1983، في حين لا تؤخذ بالاعتبار الهدايا المستلمة التي تبلغ قيمتها المصرح بها 50 ألف دج أو أقل من ذلك.
وينص القانون على إنشاء لجنة تتكون من ممثلي رئاسة الجمهورية ووزارات الدفاع الوطني والمالية والثقافة بتحديد وجهة الهدايا العائدة للاحتياط القانوني للتضامن أو للمتاحف الوطنية، أين “يتم كل تسليم لهدايا أيا كان مصدرها مقابل إبراء وبحضور الممثلين المشار إليهم”.
وتسلّم الهدايا المحصل عليها إلى وزارة الثقافة بغرض تخصيصها للمتاحف الوطنية، والتي تكتسي أهمية أدبية أو تاريخية أو فنية أو علمية المودعة لدى مصالح الجمارك.
وتشبه الهيئة تلك الموجودة في دول، منها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتوفر على سجل لتسجيل الهدايا التي يحصل عليها كبار الرسميون والموظفون بمن فيهم الرؤساء.
وفي السجل الأمريكي، يوجد جرد بهدايا تلقاها مسؤولون أمريكيون من الجزائريين، أحدثها لوحة تصل قيمتها حوالي 10 آلاف دولار ممنوحة من الوزير الأول عبد المالك سلال، وعلبتي خمر وأخرى من التمور أرسلها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى باراك أوباما.