اعتبر خبراء جزائريون أن قرار حل البرلمان في البلاد يعد خطوة جديدة للتخلص من إحدى تركات نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وفي تصريحات نوه خبيران سياسيان بما اعتبراه “الضرورة القصوى التي تتطلبها المرحلة المقبلة ببرلمان يتمتع بالشرعية الشعبية والسياسية”، ووصفا قرار حل البرلمان الجزائري بـ”الخطوة الجريئة”.
وأجمعت الآراء على أن الموعد الانتخابي المقبل “استثنائي” في قوانينه وظروفه، بالإضافة إلى تأكيدهم على أن صناديق الاقتراع ستفرز “مشهدا سياسياً جديداً”.
وتوقعت أيضاً أن تهيمن “القوائم الحرة على النتائج، ونهاية الأغلبية لحزب واحد أو لأحزاب التحالف الذي كان داعماً لبوتفليقة”، وكذا بداية نهاية ما يعرف بـ”أحزاب الإسلام السياسي”، في إشارة إلى التيارات الإخوانية التي يقول المراقبون إنها كانت من أبرز التيارات “التي اقتسمت كعكة المقاعد النيابية” عبر نظام “الكوتة” أو المحاصصة السري”.
والخميس الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن قرار حل “المجلس الشعبي الوطني” والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة دون أن يحدد موعدا لها، وهو أول خطاب موجه للجزائريين منذ عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا، والذي يتزامن مع عيد الشهيد الجزائري.
ويعزو الخبراء ذلك إلى انتخاب نوابه عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر كل 5 سنوات وفق الإجراءات الكلاسيكية المعمول بها في كل انتخابات، من خلال استدعاء الهيئة الناخبة، وتقدم المرشحين بملفاتهم، وحملة انتخابية.
والبرلمان الذي قرر الرئيس الجزائري حله تم انتخابه في 2017 وتنتهي دورته في 2022، إلا أن ما صاحب هذه الهيئة التشريعية حتى قبل انتخابها أثار الكثير من الجدل وحتى السخط الشعبي، ما أدى إلى الطعن في شرعيته بعد أن “تغول به المال السياسي” باعتراف السلطة الجديدة في البلاد.
بوادر “أزمة” البرلمان المنحل، بدأت مع ما عرف بـ”فضيحة بيع وشراء المقاعد البرلمانية” بنحو “نصف مليون دولار”، التي عاد النائب المثير للجدل بهاء الدين طليبة تفجيرها في محاكمته نهاية العام الماضي، وهو ما طرح تساؤلات وتشكيكا حول شرعية برلمان جاء عبر “سوق انتخابية” على حد وصف معارضيه.
حادثة غريبة أخرى شهدتها قبة البرلمان المنحل تحول معها اسمه إلى “برلمان الكادنة”، في إشارة إلى غلقه بـ”الأقفال الحديدية” من قبل معارضي رئيسه الأسبق الراحل السعيد بوحجة في أكتوبر 2018.
وقاد معاذ بوشارب ما كان يوصف بـ”الانقلاب الكادني” على بوحجة وتولى رئاسة البرلمان، قبل أن يتحول إلى واحد “الباءات الثلاث” المغضوب عليها، من قبل الحراك الشعبي ويجبر على الاستقالة في يوليو 2019.
أما “أقدم فضيحة” في البرلمان الجزائري باعتراف رسمي من الرئاسة الجزائرية فهو “نظام المحاصصة السري” المعروف بـ”نظام الكوتة”، ولطالما وجهت انتقادات حادة لنتائج الانتخابات التشريعية والمحلية في البلاد من قبل شخصيات معارضة، تعتبر نتائجها “مزورة”.
وتقول تلك الشخصيات المعارضة إن ذلك “التزوير” لم يكن “إلا ترتيباً للنتائج لصالح أحزاب وتيارات معينة”، حتى تضمن “للسلطة الجزائرية التحكم في البرلمان”، وكانت التيارات الإخوانية من أكثر المستفيدين منه، رغم زعمها المعارضة والتشكيك في شرعية الأنظمة السابقة لكنها كانت “أول من يعلن مشاركتها في الانتخابات” مباشرة بعد الإعلان عنها.
فؤاد سبوتة، النائب في مجلس الأمة الجزائري، يرى أن الانتخابات التشريعية المقبلة “ستنهي عهد الحزب الحاكم والأحزاب التقليدية”، وأن الموعد الانتخابي “استثنائي بكل المعايير”.
وفي تصريح لـ”العين الإخبارية” أوضح “سبوتة” أن “الانتخابات المقبلة هي موعد مفصلي في تاريخ الجزائر، ومن خطاب رئيس الجمهورية بدأت تتضح معالم فكرة الجزائر الجديدة، والانتخابات التشريعية تأتي في ظرف خاص، وفي ظل مطالب شعبية رفعت في الحراك لحل المجالس المنتخبة بالنظر لما شابها”.
وأوضح “أنها ستجرى بنمط انتخابي جديد من خلال القائمة المفتوحة، وبها سيتم محاربة المال الفاسد بالسياسة، والذهاب نحو فتح المجال أكثر أمام أكبر قدر من شرائح المجتمع للمشاركة في العملية الانتخابية، وكذا قوائم حرة كثيرة، وهو ما سينتج عنه برلمان به فسيفساء من مختلف الأحزاب ومن الفاعلين في المجتمع”.
وتوقع العضو في الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري، استنادا إلى المعطيات السابقة، أن “اللعبة السياسية ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، حتى الأحزاب التقليدية التي توصف بالكبيرة ستجد نفسها مطالبة بتقديم الأجدر لتمثيل المواطنين، والكرة أيضا في مرمى الناخب الذي عليه أن يجيد عليه الاختيار للخروج ببرلمان تمثيلي وحقيقي وذي فعالية في العمل التشريعي، والأهم أن يحظى بالمصداقية”.
ويرى النائب البرلماني أيضاً أن “الانتخابات التشريعية المقبلة ستنهي عهد الأحزاب الثقيلة” والذي اعتبره من “المسلمات”، مضيفاً أن “إعطاء ضمانات أكبر في العملية الانتخابية للطبقة السياسية والفاعلين في المجتمع بأن تجرى بكل شفافية، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تغيب فيها الإدارة عن العملية الانتخابية وتعوضها اللجنة المستقلة التي قدمت لها صلاحيات لم تكن المعارضة تحلم بها، وبالتالي فإن البرلمان القادم سيفرز لنا طبقة سياسية أو تكتلا سياسيا جديدا”.
وعن أحزاب التحالف الرئاسي الذي كان داعماً لبوتفليقة، فقد نوه فؤاد سبوتة بأنها “مجبرة على الخضوع للأمر الواقع للحصول على مقاعد نيابية وأن تكون قياداتها واعية بالتحديات الحقيقية التي تواجه البلاد، وهذا ما يدفعني للقول إن التشريعيات القادمة ستكون صعبة جدا على أحزاب الموالاة والمعارضة، وسنشهد دخول الكثير من القوائم الحرة في معظم الولايات”.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر والمحلل السياسي الدكتور حسين قادري نفى في حديث لـ”العين الإخبارية” أن يكون قرار حل البرلمان “يعني تجميد العمل بالدستور”، مشيرا إلى أن الخطوة تعني “تجميد التشريع والمرور نحو التشريع بأوامر رئاسية، شريطة أن تصبح في حكم الملغية مباشرة بعد انتخاب برلمان جديد أو يوافق عليه، وحالة الحرب هي الوحيدة التي يوقف فيها العمل بالدستور”.
ويرى أن الخطوة لم تكن مفاجأة، مرجعاً ذلك إلى تصريحات رئيس البلاد السابقة التي “كان فيها البرلمان المنحل انتقالياً ولا يمثل حقيقة الشرعية الشعبية، والكل يعرف المراحل التي تكون فيها، والنظام السياسي يتفادى حالة الشغور، لهذا تأجل قرار حله إلى غاية هذه الفترة، مستغلا ذكرى الحراك وبداية إطلاق الجزائر الجديدة المبنية على المؤسسات، ولا بد من تنظيم انتخابات نزيهة تلبي طلبات الحراك وتخرج لنا كما هو متوقع برلماناً يحمل في طياته أفكار وطموحات الحراك من خلال نوعية ممثليه”.
مشيرا إلى أن قرار حل البرلمان الحالي “هو تخلص من تركة ثقيلة للنظام السابق وخطوة كان لا بد منها”.
وأشار المحلل السياسي إلى جملة من التحديات السياسية المرافقة للعملية الانتخابية، ذكر أبرزها “مدى جاهزية الطبقة السياسية والشعب لإفراز برلمان به مستوى طموحات الشعب وأولويات الجزائر الجديدة، بالموازاة مع التغيير المرتقب في الهيئة التنفيذية (الحكومة)”.
أما التحدي الثاني الذي ذكره الدكتور قادري فتمثل في “التنمية ومستوى معيشة المواطن مع الإحصائيات المخيفة عن مناطق الظل، وبالتالي فليس البرلمان وحده من يولد حالة الاطمئنان لولادة جزائر جديدة”.
بالإضافة إلى “مسألة الوجوه القديمة، وعدم وجود ضمانات لتعكيرها الجو الانتخابي وليس من مصلحتها وجود مؤسسات نظيفة لأنها متغلغلة في الإدارة والحياة السياسية وكثير منها متورط في قضايا فساد، وكان لهم الأسبقية في المناصب، ولهذا نتوقع وجودهم سواء بفوزهم بمقاعد نيابية أو يحاولون خلق الفوضى بأي طريقة لمنع وصول الوجوه الجديدة، والنظام يدرك ذلك، والتغيير الحكومي المقبل سيجعلنا نحكم إن كان النظام تحرر من الضغوطات ومن الممارسات السابقة أم أن الوجوه ذاتها ستكرر”.